الحوثي 8 جيجا!
لا يملك المتابع لحالنا وما آل إليه من تطورات مؤسفة إلا أن يردد ما قاله محمود درويش: قد تدخل المأساة في الملهاة يوماً.. قد تدخل الملهاة في المأساة يوماً!، أو بمقولة "شر البليّة ما يُضحِك"، وهذا يساعد في تفسير التعليقات الساخرة التي عجّ بها الفضاء الإلكتروني من رسومات وصور مُدبلَجة وتعقيبات نصية وصوتية مع اقتباسات غنائية وتمثيلية، وفّرتْ لناقليها كُلفة الرد الفوري المناسب للحال الذي وصلنا إليه.
في كل يوم تتكشّف ملابسات وخفايا المشهد السياسي الذي نعيشه بطريقة تجمع بين الواقع والخيال، بين المعقول واللامعقول، والمقبول واللامقبول، وسرعان ما بدأ المتابعون في إعادة شريط الأحداث إلى محطات سابقة كانت فيها مليشيا الحوثي محصورة في بعض مديريات صعدة وإذا بها خلال أشهر قليلة تُمسك بمقوَد القرار السياسي والسيادي في البلد نتيجة أخطاء استراتيجية فادحة وكارثية ارتكبها الفاعلون والمؤثّرون في صياغة المشهد السياسي اليمني في الداخل والخارج معاً، بناءً على رسم عشوائي لخارطة استهداف عبثي لا صلة له بمصلحة اليمن وشعبه وأشقائه، فتم استئجار الحوثي للقيام بالمهمة، كما لو أنه يتمثل دور عادل إمام في مسرحية "الواد سيد الشغّال": جيء به مُحللاً وإذا به يتمسك بزواجه من المرأة التي زوّجوه إياها كي يطلقها وتعود لزوجها السابق لكنه لم يفعل، وهكذا فعل الحوثي؛ تجاوز خطة مستخدميه وأصبح هو الذي استخدمهم في الوصول لما يريد وفوق ما يريد!.
لا تحتاج الفقرة السابقة إلى استخدام نظرية المؤامرة في الوصول إليها والاقتناع بها، كل ما في الأمر إعادة شريط الأحداث إلى "مواجهات دماج" كيف استعصتْ على الحوثي وهي بلدة صغيرة مكشوفة الجغرافيا قليلة الحيلة، ثم تسارع إيقاع الأحداث فجأة وصولاً إلى اجتياح الحوثي بعض مديريات محافظة عمران بكل سهولة، ثم حصاره مدينة عمران ومعسكرها مدججاً بخطاب متشنج مليء بالمبررات والشعارات التي سقطتْ في امتحان سقوط عمران في أجواء "حياد قيادة الجيش!"، وبعد التشطيبات اللازمة التي قام بها الحوثي في عمران كان على موعد مع "الجُرعة" المُلغاة بعد ذلك لتحقيق جملة من الأهداف "الرخيصة" كالتخلّص من باسندوة وحكومته واقتحام ما تبقى من مكامن القوة (المحتملة) لنفوذ حزب الإصلاح وحلفائه من القبائل والعسكر!، وسط صمت رهيب ومريب من كل القوى السياسية في البلاد!. وإذا بالحوثي يبدأ في تنفيذ مخططه الخاص الذي قلَبَ على حلفائه - المباشرين وغير المباشرين- ظهر المِجن، على صوت المأذون في المسرحية آنفة الذكر مجلجلاً: لابد وأن يدخل بها!.
لقد استخدم الحوثي كل حلفائه كمناديل ورقية واحداً تلو الآخر، لا ندري هل كانت مناديل وجه أم مناديل من نوع آخر (!)، ولم يبقَ سوى المنديل الأخير وهو الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو الأخير لأنه الحليف الأهم، ولم يعد المتابع يجد عناءً في تصديق حقيقة التحالف الحوثي- العفاشي؛ فالأحداث كشفت وتكشف ذلك، ولا أدل على ذلك من استذكار نتائج التوسع الحوثي واجتياحه العاصمة وقائمة الأهداف التي اشتغل عليها وهي قائمة اقتصرت على أبرز خصوم الرئيس السابق ممن تبنّوا المواقف المؤيدة والفاعلة للثورة الشبابية الشعبية السلمية مطلع العام 2011، وتم استهدافهم وفق الترتيب الخاص بالرئيس السابق بمن فيهم الرئيس هادي!، حتى أصبح الرئيس السابق هو اليمني الوحيد الذي يشعر بالأمان الآن مع نشوة الانتقام!.
هذا الاستدعاء السريع لما حدث يساعد في تفسير ما يحدث وكيف يمكن تلافي الأخطاء لتصحيح نتائجها الكارثية على الوطن والإقليم، وفي الأفق صعوبات كثيرة لتصحيح تلك الأخطاء لكنها ضريبة لازمة لتلافي عواقب أكثر كارثية مما يحدث!.
الصراع المرتقب بين عفاش والحوثي يمكن اختصاره بقصة الفيلم الشهير "اللمبي 8 جيجا"، تقول القصة - باختصار- إن اللمبي المحامي البسيط وصاحب القدرات العادية والمحدودة والعيش الكفاف التقى أحد المخترعين لشريحة إلكترونية تُحوّل صاحبها إلى شخص آخر بقدرات عالية، وافق اللمبي على أن يكون فأراً للتجربة ودس المخترع الشريحة في جسمه وأصبح الرجل خلال فترة وجيزة حديث الناس ومقصدهم نتيجة القدرات الهائلة التي يتمتع بها، مما دفع بالدكتور المخترع إلى ضرورة الإعلان عن نجاح اختراعه المدهش، الأمر الذي رفضه اللمبي باعتبار ذلك فضيحة مدوية ستقضي على ما بناه من جاه وثروة، فبدأ الصراع ولجأ المخترع إلى التلاعب ببرمجة الشريحة الكامنة في جسم اللمبي وصولاً إلى استسلامه وعودته لحياته السابقة!.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها