انسحابات القوى السياسية تحاصر "مسيرة الموت" وتعصف بالانقلاب

كعادتها تتصرف الحركات المستندة للقوة بناء على ما ترسمه لها فوهات البنادق, لأن مشروعها ينطلق من الموت، ويهتف بالموت، ولا شيء في قاموسه مقدساً مثل الموت.
وصلت المليشيات الحوثية إلى أطراف العاصمة بعد أن مرت من فوق جثث ضحايا كُثر، قتل الحوثيون في طريقهم إلى صنعاء الصبيان والنساء، ودمروا المساجد ودور القرآن، وعاثوا في الأرض الفساد.
في عمران كانت الدولة تفقد أحد أعظم رجال القوات المسلحة خبرة وتخصص, حينما تم تواطئ قيادات من أعلى هرم السلطة مع مليشيات شربت حب "الموت" وتسعى إليه، وباعوا العميد القشيبي قائد اللواء 310 مدرع، بوحشية وانعدام ضمير, احتفل الحوثيون بقتل القائد العسكري الكهل, قتلوه أسيراً وصبوا في جسده 60 رصاصة .
للحوثي علاقة وطيدة بالموت، لديهم انتاج إعلامي ضخم ما بين أناشيد حماسية وزوامل شعبية, مصحوبة بالإيقاعات والهندسة الصوتية باحتراف ، وفي كل بيت من أشعارها يحضر الموت.
يراهن الحوثي في طريقه إلى صنعاء على قوته ، ومن معه، ومن يدفع به ويؤيده ويحركه ويتحرك معه، وحين وصلوا صنعاء نشر ميلشياته وقمع بوحشية ، وظن أن كل شيء بات تحت السيطرة ، ثم فكر في الخطوة الأخيرة، حاصر الرئاسة وأراد أن يفرض قراراته على الرئيس والقوى السياسية ، كان يدرك أن الخارج يغض الطرف عن بعض ما يجري, وأن "الأمر الواقع" سياسة مجدية, لكنه فوجئ باستقالة الرئيس هادي, وحكومة الكفاءات, فخطب في الناس مهدداً بأن سقفه مفتوح وخياراته كلها مطروحة.
عقب احتلال الرئاسة تسربت الأنباء تباعاً عن نهب الحوثي لكل المعدات العسكرية والأسلحة للواء الثالث حرس رئاسي, كانت التسريبات تتحدث عن أن اللواء أقوى ألوية الجيش اليمني تسلحاً ، وهو الوصف نفسه الذي قالوه عن لواء القشيبي, يريدون أن يوهنوا عزيمة الجيش ويهينوه كما لو كانوا محتلين, ذلك أن هكذا دعاية تخدمهم في نشر الرعب.
كان الحوثي ينتظر اجتماع القوى السياسية برعاية أممية، وكان الصمت الدولي يتحدث في الآن نفسه عن غض الطرف ومباركة أي نتيجة تحدث ولو كانت بالقوة أو تحت تهديد السلاح.
فجأة ينتفض الشعب, تخرج المسيرات بحماس منقطع النظير, تمتلأ ساحات المحافظات بالثائرين, يهتفون بالحياة , فأصيب الحوثي بالذعر وخافت مسيرة "الموت" لأن ثقافة الموت وحدها لا تكفي ، ليست مشروعاً قابلاً للحياة ، الموت طريقُ مباشر وسريع إلى الموت.
واجتمعت القوى السياسية ، وحين وجدوا أنفسهم في دور المحلل لاكتمال مشروع الانقلاب على الدولة والمجتمع ، وأنهم في مهمة إضفاء الشرعية على سلوك طائش اختطف مدير مكتب الرئيس بصورة فجة، ولم يمانع بالتباهي بفعلته على وسائل الإعلام ونشر مكالمات خاصة تدور في الرئاسة، تماماً كما يفعل الغزاة، وحاصروا الرئيس ولا يزالوا يحاصرون الوزراء بعد استقالاتهم ، ويفرضون عليهم الإقامة الجبرية.
ليلة أمس كسر الحراك الجنوبي كل هذا الضجيج وعصف به على حين غرة ، انسحب الحراك من موفمبيك وأعلن بيانه المفاجأة، ليقطع كل هذا الصمت الرهيب, خاطب الحراك الجنوبي "الشعب اليمني" فكان ينسف وهم "الثورة الشعبية" التي يزعم الحوثي أنها منحته شرعية القتل, وكسر قواعد اللعبة الهشة أصلاً والتي كادت تنطلي على الشعب كحيلة فجة، تريد أن تقول أن لا خيار سوى "الأمر الواقع".
قال الحراك هذه شروطنا لنستمر في الحوار، أربعة شروط غير قابلة للنقاش حتى يتم تحقيقها ، خاطبوا جمال بنعمر أثناء مغادرتهم جلسة برعايته كمثل للأمم المتحدة, سلموه وقالوا في بيانهم ، نؤكد على موقفنا في التالي:
1 _ ازالة اسباب استقالتي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء .
2 _ انهاء كل اشكال الحصار والتوتر والتهديد والعودة الى اوضاع ما قبل 21/ سبتمبر2014 .
3 _نقل انعقاد مجلس النواب الى منطقة امنه ليتمكن من اتخاد القرار الصائب ومشاركة جميع الكتل البرلمانية .
4 _ وضع الضمانات الكفيلة لاستعادة الشرعية من خلال ادارة الدولة من خارج صنعاء ونقلها الى مدينة تعز حتى تستقر الاوضاع.
وختموه بالتأكيد للشعب " ونؤكد لشعبنا اننا لن نكون طرفا في اي اتفاق او محاولة لشرعنة الانقلاب".
كان الحوثي يعقد اجتماعاً لمن أسماهم الشعب في إحدى صالات صنعاء، لكن صوت بيان الحراك كان الأعلى تلك الليلة، وصل الحوثي إلى عمق الأزمة وأدرك حتى اللحظة أن القوة في عالم السياسة أضعف سلاح.
وأن لغة المنطق تقول "الصراخ وحده لا يخرج البيض", وأن الشعب لم يمت بعد.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها