حقائق تنشر لأول مرة حول استهداف الصليب الأحمر في عمران

منذ بدء التمدد العسكري لجماعة لحوثي وما خلفه من حروب وصراعات بدءاً من حربها على منطقة دماج مطلع 2013م وحتى اجتياحها عدد من المحافظات الشمالية والجنوبية خلال الفترة الممتدة بين أواخر العام 2014 و 2015، ارتكبت ميليشيات الحوثي سلسلة من الانتهاكات والاعتداءات بحق طواقم الإغاثة الإنسانية والطبية الميدانية الثابتة منها والمتنقلة.
ولم تسلم عربات إسعاف ونقل القتلى والجرحى، التي تقدم خدمتها لجميع أطراف الصراع من استهداف مسلحي جماعة الحوثي المنتشرين في جبهات لقتال أو نقاط التفتيش على نطاق وسع من الجمهورية اليمنية وهو ما يعد انتهاكا صارخا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي صنفت مثل هكذا أعمال ضمن انتهاكات جسيمة ترتقي لجرائم الحرب.
ولا تولي مليشيا الحوثي المسلحة أي اعتبار لحياة العاملين في طواقم الإغاثة الإنسانية و الطواقم الطبية ، يرى مراقبون انه نابع من التعبئة الخاطئة التي تمارسها الجماعة بين مسلحيها سواء عبر خطابات زعيمها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي التي لا تكاد تخلوا من التحريض ضد أمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول الأوربية ووصف كل من يتعامل معها أو يعملون لديها بالعملاء والخونة.
وتشير أغلب التقارير التي صدرت بهذا الخصوص، إلى أن عمليات قتل وإصابة أعضاء الطواقم والفرق الطبية، على أيدي مليشيات الحوثي، لم تكن تتم فقط بسبب الاستخدام المفرط والعشوائي لقوة السلاح في معظم الأحيان، وعدم تفريقها بين عسكريين ومدنيين ورجال المهمات الطبية، وإنما كانت معظم تلك العمليات تأتي في إطار عمل منظم و ممنهج يستهدف تصفية وترويع وترهيب كل ما من شأنه أن يكون شاهدا على انتهاكات وجرائم تلك لميليشيات، سواء من طواقم طبية وإعلامية وفرق رصد حقوقية.
الهجوم الأحدث:
كان أخر استهداف للطواقم الإغاثة الإنسانية ، في محافظة عمران التي سقطت بيد جماعة الحوثي المسلحة في منتصف يوليو 2014 وصارت تخضع بالكامل لسيطرة ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لحليفها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
وقد كان الهدف هذه المرة قافلة تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر ، مكونة من سيارتين ترفعان إشاره اللجنة و طاقم من أربعة أفراد كانوا في طريقهم إلى منطقة "خيوان" لافتتاح مركز مؤقت لاستقبال المرضى والإصابات الناتجة عن القصف والمواجهات المسلحة .
شهود عيان يرون الحادثة
وبحسب رواية أحد شهود العيان على هذه الواقعة لمندب برس فإن مسلحين حوثيين استوقفوا سيارتين تقل 4 من الافراد العاملين لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر عند نقطة تفتيش تابعة لجماعة الحوثي بمنطقة حوث (عجمر) محفظة عمران في تمام الساعة العاشرة ونصف تقريبا من صباح الأربعاء 2-9-2015 م.
وأفاد (ع.ع.ن) بأن أحد مسلحي النقطة الحوثية ويدعي "أشرف حسن زليط" باشر إطلاق الرصاص الحي على إحدى السيارتين مما سفر عن مقتل الدكتور عبدالكريم غازي و الذي يعمل كطبيب لدى دائرة التعاون في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعاصمة صنعاء، واصابة السائق محمد الحكمي بجروح خطيرة توفي على اثرها في احد مستشفيات مدينة خمر التابع لمنظمة اطباء بلا حدود، بعد نقله إليها للعلاج.
وأكد الشاهد (خ.أ.ن) أن أفراد طاقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانوا يتميزون بالشارات الخاصة بالفرق والطواقم الطبية والملصقة على السيارتين ، لافتا إلى أن الجاني مقاتل لدى جماعة الحوثي منذ فترة طويلة و يتمتع بكامل قواه العقلية و قد شارك معهم في عدة جبهات للقتال، فضلاً عن أن تكليفه من قبل الجماعة بالتواجد في هذه النقطة يؤكد ثقة الجماعة به-حسب الشاهد .
موقف لجنة الصليب
أعقب هذا الاعتداء صدور بيان رسمي عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعلنت خلاله تعرض أثنين من موظفيها لهجوم أثناء سفرهم مع زملائهم ضمن قافلة بين صعدة وصنعاء.
واعتقد البيان أن مسلحا واحدا هو الذي فتح النار على القافلة فقُتل أحد موظفي اللجنة الدولية على الفور، بينما نقل الثاني إلى المستشفى ولكنه توفي لاحقا، منوها إلى أن أحدهما يعمل موظفا ميدانيا لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والآخر سائقا، وكلاهما من اليمن.
كما تضمن البيان تأكيد رئيس بعثة اللجنة الدولية في اليمن السيد "أنطوان غراند": " بأن الحادث استهداف متعمد لموظفي اللجنة".
المتحدثة باسم المنظمة في اليمن "ريما كمال" قالت لوكالة فرانس برس: “للأسف قتل اثنان من موظفينا بوحشية هذا الصباح عند الساعة 10,30 بالتوقيت المحلي"
وأشارت إلى أنهما قتلا بينما كانا عائدين من صعدة (شمال صنعاء) إلى العاصمة في آليتين تحملان بشكل واضح اشارة" اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتابعت: "انهما اوقفا في منطقة عمران من قبل رجل مسلح اطلق النار على آليتينا وأن أحد زملائنا قتل على الفور بينما اصيب الثاني بجروح خطيرة توفي على اثرها في احد مستشفيات منظمة اطباء بلا حدود في عمران".
واوضحت السيدة ريما: "ان اربعة موظفين كانوا في الآليتين، لكن الاثنين الآخرين نجوا".
وبالنظر إلى كل الروايات السابقة سواء من قبل الشهود أو المتحدثين باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن ثمة توافق بين الجميع حول سرد تفاصيل الواقعة، ولعل هذا التوافق هو ما أثار مخاوف جماعة الحوثي التي باشرت على الفور إجراءاتها لدفن ملف القضية-حسب بعض خبراء القانون.
موقف جماعة الحوثي:
وتتجلى مخاوف الجماعة بوضوح في كشفها صباح اليوم التالي الخميس 3-9-2015 عبر وكالة الانباء اليمنية (سبأ) التي تسيطر عليها عن "القاء القبض على المتهم بإطلاق النار على سيارة تابعة للصليب الاحمر بمديرية حوث وذلك من قبل اجهزة الشرطة واللجان الشعبية بمحافظة عمران خلال ساعة متأخرة من مساء امس الأربعاء".
ونقلت الوكالة عن ما سمته مصدر امني بالمحافظة :"ان احد الاشخاص قام يوم امس بإطلاق النار على سيارة قادمة من محافظة صعدة بمنطقة عجمر مديرية حوث محافظة عمران مما أدى إلى استشهاد شخصين من موظفي الصليب الاحمر من اليمنيين".
و قد عزز هذا الموقف لقاء رئيس ما تسمى باللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي يوم الخميس 10/ 9/2015 مع المدير الإقليمي للشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، روبرت مارديني و الذي أكد فيه الأول أن الجاني يعاني من حالة نفسية جراء قصف طيران التحالف بحسب ما نقلته عنه موقع قناة CNN بالعربية .
وجهة نظر قانونية
ويرى خبراء قانونيون أن نشر هكذا خبر من قبل الجهة التي تشار اليها أصابع الاتهم ليس سوى خطوة استباقية لإبعاد التهمة عن نفسها .
بينما يتوقع البعض ان جماعة الحوثي تسعى إلى استخدام هذه الواقعة كورقة ضغط للتخفيف من وطأة الحرب المعلنة ضدها من قبل قوت التحالف العربي المساندة للشرعية في اليمن وذلك عبر تشويه خصومها السياسيين والعسكريين أمام المجتمعين الإقليمي والدولي .
وفي كلتا الحالتين فإن الإجراءات التي قامت بها جماعة الحوثي حول هذه القضية سواء بشكل سري أو معلن فإن الهدف الرئيس منها هو تمييع القضية سيما وان الجماعة في الوقت الذي أعلنت فيه القبض على الجاني وفرت له الحماية المسبقة من أي مساءلة قانونية وذلك من خلال الحديث عن أنه شخص مختل عقلياً .
وأخيراً فأن اقحام قوات التحالف من قبل جماعة الحوثي في هكذا قضية ، على الرغم من عدم منطقيته إلا أنه يشير بصورة أو بأخرى الى أن الواقعة مخطط لها و أن ثمة نوايا مسبقة لتسيسها وإلصاق التهمة بقوات التحالف و استخدام قصفها الجوي شمعة تعلق عليها جماعة الحوثي و قوات صالح كل جرائمها و انتهاكاتها بحق أبناء الشعب اليمني و طواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر .
وأستبعد الخبراء القانونيون أن ينطلي مثل هكذا مبرر على اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، معتبرين أن أي تعاطي إيجابي مع المبرر يعني إعطاء الضوء الأخضر لمليشيات وجماعة الحوثي والرئيس السابق لارتكاب مزيد من الجرائم بحق طواقم الإغاثة الإنسانية و الحكم على العمل الإنساني و الاغاثي في اليمن بالموت .
منوهين الى أن اي إجراءات ضبط وتحقيق قامت بها جماعة الحوثي لا يعتد بها لأنها جماعة خارجة عن القانون ومتهمة بالانقلاب على الشرعية الدستورية في البلاد ، بل حتى الأجهزة القضائية الموجودة تعد تحت تأثير سلطة الامر الواقع التي فرضتها جماعة الحوثي بقوة السلاح مما افقد تلك الأجهزة القضائية استقلاليتها وافرغها من مضمونها.
غير أنه وبحكم الواقع الذي فرضته تلك الجماعة بقوة السلاح فأنها كسلطة أمر واقع تعد مسؤولة عن كافة الانتهاكات و الجرائم التي ترتكب من أي جهة كانت بحق أبناء المحافظات اليمنية التي تسيطر عليها .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها