تعرف على (بنت الصحن) الشهيرة في اليمن

لا يختلف نشاط أمّ محمد مع بناتها، خلال شهر رمضان، كثيراً عن بقية الأيام في الأشهر العادية. في بيتها المتواضع في حيّ حدة، أفخم أحياء العاصمة اليمنية صنعاء، عادة ما تحرص المرأة، التي تجاوزت عقدها الخامس، على التخطيط مع بناتها الثلاث، اللاتي لا تتجاوز أعمارهن الـ20 ربيعاً، إلى جانب زوجة ابنها الشاب محمّد على مهامّ اليوم التالي، تلقي على مسامعهنّ التعليمات: ماذا سيطبخ لوجبات الفطور والعشاء والسحور، وماهي الأطباق التي ستتضمنهّا موائد الطعام، ومن سيعدّها، وكيف؟ استراتيجية مسبقة تحاول أمّ محمد جعل بناتها يتكيّفن معها، دون أن تغفل تعبهن، وتناوب بينهنّ على نحو متساو وعادل.
تشتكي أمّ محمد، أحياناً، من أن الجميع في البيت يقضون أوقاتاً طويلة أمام شاشات التلفزيون، فيستيقظون وهم مرهقون وضعفاء جسمانيّاً وذهنيّاً، وهذا ينطبق على حرائرها، لكنّها تبتسم بحنوّ، وتقول: "ليست هذه هي المعضلة الوحيدة. كما تعرفين، نحن نواجه ظروفاً معيشية صعبة ومعقّدة للغابة بسبب الحرب، الغلاء فاحش، والأوضاع إجمالاً غير مستقرّة، حالنا في رمضان هذا الشهر اختلف 180 درجة عن سابقيه... هذا شيء طبيعي. الحمد لله على كلّ شيء".
كان لا بدّ من هذه المقدّمة قبل الغوص في أغوار السؤال الذي طرحتيه عليّ، تضيف أمّ محمد، وتشير إلى أنّه "بخصوص قائمة واجباتي اليومية، التي تراجعت من حيث الكمّ والنوع، حسب الميزانية الإقتصادية للأسرة، حاليّاً، نستطيع القول إن من ضمن أبرز الأطباق السائدة على موائد الطعام للعائلات في صنعاء، خصوصاً القديمة، هي: الشفوت والفتّة والعصيد والخضروات والمرق، وهذه نعتبرها شكلاً من أشكال المقبّلات الفاتحة للشهية، مثل التوابل والفتّوش والحمّص، عند الشوام". من ضمن أبرز الأطباق السائدة على موائد الطعام في صنعاء الشفوت والفتّة والعصيد والمرق
وتتابع: "كما تعلمين، أيضاً، نحن لدينا وجبات تحلية، عادة ما يتمّ تناولها بعد الإفطار، وهناك من يفضّل التهامها أثناء الوجبة ذاتها، من بينها الرواني وبنت الصحن. الرواني عادة ما يشترى من الخارج، ويجلب جاهزاً، لكن بنت الصحن سر الإبداع فيها يكمن في إعدادها داخل المنزل. بالنسبة لي، في هذه الوجبة بالذات، التي كانت موائدنا تحفل بها يوميّاً تقريباً خلال أشهر رمضان الفائتة، أعتمد على تعيين مساعدة واحدة او اثنتين إلى جانبي لتحضيرها قبل إدخالها للفرن، ولا أخفي عليك أنّنا عديناها في الأيّام الماضية من رمضان الحالي ثلاث مرّات فقط، في ضيافتنا للأقارب، وهذه نعمة أجزم أن معظم الأسر محرومة منها للأسف".
ما من شكّ، هناك قواعد ثابتة لإعداد بنت الصحن، لكن اللمسات السحرية هي الوحيدة الكفيلة بجعلها طبقاً شهيّاً، مذاقه لا يعلى عليه. بنت الصحن، تعتبر إحدى معالم التراث اليمني في الطباخة، وتسمّى أيضاً "سبايا"، وتعدّ من الأطباق الخفيفة التي تقدّم عادة على وجبة الفطور، وتحتوي مقاديرها على الطحين والسمن البلدي أو الزبدة والزيت والبيض وحليب البودرة والسكّر والخميرة و"بكينج باودر" والملح.
هذه المواد كلّها تشكّل الخلطة التمهيدية لبنت الصحن، حيث توضع كمّية من الطحين في وعاء كبير وتنخل، ثم يضاف إليها السكّر والحليب و"البادور". يتم إنشاء حفرة في منتصف الطحين، ويوضع خليط السمنة والخميرة والبيض داخله، ثمّ تُعجن المكوّنات جيّداً. تؤخذ كرة من العجين وتُرقّ بالشوبك على شكل دائرة وتُمدّد في الصينية، قبل أن تدهن الطبقة بالزيت النباتي وقليل من السمن. وبالطريقة نفسها يتمّ إنشاء ستّ طبقات، ثمّ يُدهن الوجه بصفار البيض ليعطيه لوناً ذهبيّاً لمّاعاً. يرشّ السمسم وحبّة البركة على الوجه، وتوضع الصينية في فرن حرارته متوسّطة. عندما يصبح لون "الشبايا" أشقر تكون قد نضجت، توضع في طبق التقديم، ويصبّ العسل عليها.
التقييم الأوّلي لجودة بنت الصحن يكمن في ثلاث نقاط رئيسية، من بينها شكل الطبق، حيث يُفترض أن تكون القطعة كاملة تزهو بلون لمّاع على سطحها الخارجي الذي يفترض أن يبدو منفوشاً، كناية عن أنهّا طازجة وخرجت من الفرن للتوّ، وليست جافّة أو محروقة، كما أن لها رائحة مميّزة تفوح في المنزل، وتصعب مقاومتها، وإضافة العسل والحبّة السوداء لبنت الصحن تعطيها رونقا مميّزاً يفتح الشهية، ويحفّز على التهامها سريعاً قبل أن تبرد، وتفقد مذاقها وقيمتها الغذائية.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها