من مأرب إلى باب المندب

 

 

في ظرف حرج وحساس وواقع ومتغيرات جديدة اختير الفريق الركن محسن الداعري وزيرا للدفاع كوزير توافقي ومهني فرضته واستدعته المرحلة بكل تعقيداتها وفصولها ومتطلباتها، وفي واقع متشظ ومحتقن، غير أن الرجل كان يدرك حساسية الظرف، وحجم التحديات، وماذا وأين وكيف سيقف.

 

تسلم الرجل مهامه في ظل هدنة شكلية نعم، لكنه كان يدرك أنها لن تدوم أو تطول، وظل يتحرك لترتيب أوضاع مؤسسته العسكرية ويكون حاضرا في كل التفاصيل والتعقيدات، ونصب عينه، وجل اهتمامه كيف يذيب الجليد بين مختلف التشكيلات، وكيف يقارب ويسدد بين القوات باتجاه الهدف السامي.

 

كان الرجل يشتغل على هذا التحدي الصلب ليل وبنهار، ويحاول أن يضع سنارته ويوجد غرفة تحكم صلبة ومتينة لا تهتز بعواصف السياسية ولا برياحها، وكانت كل لقاءاته وتحركاته الخفية والمعلنة تذهب نحو هذا الهدف، الذي ارتأى ألا يجد لنفسه انجازا إلا بتحقيق هذه المهة.

 

جرت الأشهر سريعة وصعبة وهو لا يصرف ناظره عن الملف والمهمة التي بين يديه، في ظل توجس مختلف الأطراف وهواجسها، وظهور وإثارة بعض الزوبعات والتكهنات، والرجل يمضي بصمت لا يلقي بالا للتجاذبات والتخندقات باعتباره غير معني إلا بكل ما يخص شؤون مؤسسته ويمس رواتب وبيادات منتسبي مقاتليه.

 

في العشرين من مارس كان الوزير يتفقد خطوط التماس ويعقد اجتماعاته برفقة رئيس الأركان وقائد التحالف في الداخل اليمني، ظن البعض أنها زيارة عابرة قد تأخرت كثيرا ردا على تساؤلات لماذا لم يزر الوزير مأرب التي جاء من ميادينها ومعاركها؟!

 

والإجابة كان أبعد من ذلك بكثير، فالزيارة لم تنته بمأرب، إذ بعد يومين يظهر الوزير برفقة رئيس الأركان وقائد التحالف، ورئيسي هيئة العلميات والاستخبارات في سقطرى، في أرفع زيارة لوفد عسكري ولوزير دفاع منذ أمد بعيد، زيارة رأى فيها البعض أنها جاءت لإقرار وتطبيع واقع، والحقيقة أنها زيارة عسكرية محترمة وناجحة ستتضح وتتجلى قدما لمن كان له عين أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

ومن سقطرى الذي وقف فيها ضباط وأفراد اللواء الأول مشاة بحري في انتظام وجاهزية أمام وفد قيادة الدفاع، وهم لم يصدقوا أو يستوعبوا بعد، بأن الرجل الأول في القوات المسلحة يقف أمامهم ويتفقد أوضاعهم ويعدهم بتوفير كل متطلب وما أمكن.

 

ومن سقطرى كان الوزير برفقة الوفد العسكري يتفقدون محور الغيضة ويتفقدون على منجزاته في محاربة الممنوعات، وفي حفاظه على السكينة والاستقرار، ويتفقدون عدد من القطاعات الحيوية، في مهمة لم تنته هنا أو تتوقف.

 

وبعد يوم أو يومين يتفقد الوزير برفقة الأركان وقائد التحالف القوات المشتركة في الساحل الغربي، بعد أن عقد عضو مجلس الرئاسة العميد طارق بقيادة الدفاع اجتماعا عسكريا، وقف على أخرى التطورات، ليترأس الوزير اجتماعا مع قادة المحاور، كانت رسالته وروحه وجوهره بأن كل القوات ستقاتل صفا واحد وجنبا إلى جنب تنظيم الحوثية الإرهابي.

 

وفي اليوم التالي كان وزير الدفاع يقف في باب المندب وجزيرة ميون مع رئيس الأركان وقائد التحالف، لتتضح جزءا من الصورة بأن هذه الزيارة هي أول خطوات إذابة الجليد وإعادة اللحمة والانضواء تحت هدف وراية وقيادة واحدة، لمواجهة العدو الواحد.

 

تحركات ودلالات لها ما بعدها، التحركات التي بدأت من مأرب وانتهت بباب المندب، أو على الأرجح لم تنته ستؤتي ثمارها وأكلها، بعد أن تحركت عجلة تحقيق الهدف ودرات بعد جهود مضنية لم تثر انتباه أحد، إلا بعد ظهور قيادة الدفاع برفقة قيادة التحالف تتفقد القوات وتقف على معنوياتها وجاهزيتها وتهمس في أذانها.